عيد الأضحى المبارك
تجمعت فيه مبادئ الإسلام وغاياته ، فإن مبدأه هو التوحيد ويعنى ذلك وحدة الأمة واتحاد كلمتها فلكل أمة عيد ، والأعياد الدينية عالمية فعيد الأضحى فى مصر هو عيد الأضحى فى جميع بلاد المسلمين ، والغاية في نظر الإسلام إسعاد المسلمين بتعاليمه ، لا شقاوتهم بما ينسبه البعض زورا وبهتانا .
والإسلام بريء من كل ظلم أو تعنت أو تهور ، والأضحية فيه سنة على القادر ، وتجديد لذكرى الوفاء والبر ، فلما رأى إبراهيم رؤياه قصّها على ولده ، وأدرك الولد أن رؤيا الأنبياء حق ، وصّرح له بما يُراد من أبيه أن يفعله وقال : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . ويسجل القرآن الكريم هذا المشهد العظيم ..
{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ* وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (الصافات:102- 112).
أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى:
{ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} وقال سبحانه:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الآية .
ولنا فيهم وفى نبينا ـ صلوات الله عليه ـ الأسوة الحسنة.
<لما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال:
" إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى ". فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو .
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد ،
عيد يتكرر فهو
يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات ، فإن الله ـ عز وجل ـ فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات ، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام ، فكلما دور أسبوع من أيام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم فيه شرع لهم في يوم استكمالهم .
وهو اليوم الذي كمُل فيه الخلق ، وفيه خُلق آدم وأُدخل الجنة وأُخرج منها ، وفيه ينتهي أمد الدنيا فتزول ، وتقوم الساعة ، فالجمعة من الإجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة ، وجعل ذلك لهم عيداً ولهذا نهى عن إفراده بالصيام .
وفي شهود الجمعة شبه من الحج ، وروي : أنها حج المساكين ، و قال سعيد بن المسيب : شهود الجمعة أحب إلي من حجة نافلة ، والتبكير إليها يقوم مقام الهدي على قدر السبق فأولهم كالمهدي بدنة ، ثم بقرة ، ثم كبشاً ، ثم دجاجة ، ثم بيضة ،
وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر ، كما أن الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة إلى الحجة الأخرى ، وقد روي إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام ، وروي أن الله تعالى يغفر يوم الجمعة لكل مسلم ، وفي الحديث الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال :
" ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة " ، فهذا عيد الأسبوع وهو متعلق بإكمال الصلوات المكتوبة وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين .
و أما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة فأحدهما:
عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمال صيام رمضان وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه ، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم واستوجبوا من الله والمغفرة والعتق من النار ، فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه ، فشرع الله ـ تعالى ـ لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له ، وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة .
والعيد الثاني :
عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم ، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة والوقوف بعرفة فإنه ركن الحج الأعظم كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
" الحج عرفة " ، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار . فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين ، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة . وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كل عام رحمة من الله وتخفيفاً على عباده فإنه جعل الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام بخلاف الصيام فإنه فريضة كل عام على كل مسلم. فإذا كمل يوم عرفة وأعتق الله عباده المؤمنين من النار اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك ، وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك وهو إراقة دماء القرابين فأهل الموسم يرمون الجمرة فيشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم ويقربون قرابينهم من الهدايا ثم يطوفون بالبيت العتيق ، وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له .
ثم ينسكون عقب ذلك نسكهم ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم ،
كذا ورد الأمر بتلاوة هذه الآية عند ذبح الأضاحي
" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " ، والأضاحي سنة إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فإن الله شرعها لإبراهيم حين فدى ولده إسماعيل الذي أمره بذبحه. > بتصرف من "لطائف المعارف" لابن رجب الحنبلى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(أنا ابن الذبيحين) يعني أباه عبد اللَّه وإسماعيل- وما ذبحا بل أضيف إليهما ثم فديا بالقرابين (رواه الحاكم وابن جرير).
وعن الأصمعي قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح ، فقال: يا أصمعي أين عزب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة ؟.. وإنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة. وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(أن الذبيح إسماعيل)إن الذبيح هُديت إسماعيل ** نطق الكتاب بذاك والتنزيل
شرف به خص الإله نبينا ** وأتى به التفسير والتأويل
إن كنت أمته فلا تُنكر له ** شرفا به قد خصه التفضيلويدل لكونه إسماعيل أنه ـ سبحانه ـ وصفه بالصبر دون إسحاق قال تعالى :
" فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " الآية ، فدل على أنه الصبر على الذبح ، وبصدق الوعد
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} فدل على أن المراد أنه وعد بالصبر على ذبح نفسه ومن ثم قيل للمصطفى ـ صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ـ:
" ابن الذبيحين."وفي حديث زيد بن أرقم قيل : يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال :
" سنة إبراهيم قيل له : فما لنا بها ؟ قال : بكل شعرة حسنة. قيل : فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة " خرجه ابن ماجه وغيره .
ولا تحل الأضحية إلا من مال طيب من جنس ما يأكله الإنسان فى أكثر أيام السنة من الإبل والبقر والغنم ، ولا يجوز فيها دفع القيمة النقدية ..إذ المقصود أن تعلم كيف افتدى رب العالمين الإنسان الذبيح :
" وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " الآية.
وتوزع الأضحية ثلاثا ومشاركة للإحساس الجماعي، وفى الحديث لما كان بالناس جدب ومجاعة نهاهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث أيام، فلما زالت المجاعة، رخّص لهم وقال:
" كان بالناس جدب فأردت أن تعينوا فيها " الحديث.
على أن الإسلام يسموا بالمسلم من رغبات المادة إلى رغائب الروح ، ويبتدئ بالأثرة من ضيق الأنانية لينتهي إلى الإيثار في سعة الغيرية ، وينشئ على هوى الطبيعة معنى جزئيا ليعود المسلم بفضل الإسلام فكرة إنسانية ، والله لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا ولكنه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا ،
وقد كان العيد في أول الإسلام عيد الفكرة العابدة..فأصبح ـ بسوء الفهم ـ عيد الفكرة العابثة .
وعيد الفكرة العابدة يتخلص فى جمع الأمة بإرادة واحدة على حقيقة عملية ، فكم من أعياد مرت والمسلمون في لهو ولعب ، يتحرك بهم الفلك وهم ساكنون ، وتتفجر عليهم الأحداث وهم غافلون ، ويلقون في مراغة الذل وهم راضون ، وتُؤكل بهم أرزاق الأرض وهم قانعون ، ويجادل عنهم خصومهم وهم ساكتون ، وكل ذلك تبرأ منه العقيدة الإسلامية التي تُملى عليهم أن يُحيوا ضمائرهم وأن يوقظوا قلوبهم ، وأن يوحدوا صفوفهم .
وإدعاء إن الإسلام هو سبب التخلف ، إدعاء باطل ، فأول آية نزلت فيه :
" إقرأ " .فقد أعلن الحرب من أول يوم على الفقر والجهل وأسباب التخلف
" والمؤمن القوى خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف " الحديث .
ويقول الأستاذ / الرافعي في كتابه "وحى القلم" : (فكيف يستوطىء المسلمون العجز ، وفى أول دينهم تسخير الطبيعة ؟! وكيف يستمدون الراحة ، وفى صدر تاريخهم عمل المعجزة الكبرى ، وكيف يركنون إلى الجهل وأول أمرهم آخر غايات العلم ..وكيف لا يحملون النور للعالم ، ونبيهم هو الكائن النوراني الأعظم .) ..فهل آن للمسلمين أن يفهموا عن وحى الله ؟!
فالتوحيد..سبيل القوة،
والمؤاخاة..سبيل التعاون،
والمساواة..سبيل العدل،
والحرية..سبيل الكرامة،
والسلام...سبيل الرخاء .ومادامت فيك حياة فينبغي أن يكون فيك شعور، والشعور والإحساس يتميز بهما الإنسان عن سائر الكائنات، فالمسلم الصادق أصدق إحساسا وأنبل شعورا، فكن فقيها لمعنى تكبيرات العيد..
الله أكبر الله أكبر ..وكن كريما تعطى مما تأخذ ، وكن طاهرا تستمد ما يزيدك طُهرا ونقاوة ، وصل رحمك بما يدخل عليهم الفرح والسرور ، ولا تظنن أن زيارة المقابر في العيد مطلوبة ..بل زيارة الإحياء هي المطلوبة ، ويكتفي بالدعاء للأموات وأنت في بيتك ، وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، واملأ روحك وضميرك بالعدل والحكمة .
"أيها الأخوة المؤمنون المسلمون في كل بقاع العالم ، اليوم يمر علينا عيد الاضحى المبارك والأمة الإسلامية تئن وجراحاتها تنزف ودماؤها تسيل في كل مكان من جنباتها. هذا العيد يحتاج منا إلى نهضة، يحتاج منا إلى تفكير وتضامن وتعاون، يحتاج منا إلى أُخوة ترتفع إلى مستوى التحديات؛ فالعيد يوم نرى الأمة عزيزة قوية شامخة، أما أن تكون الأعياد مجرد صلوات وابتهالات وتنتهي وتبقى الأمة غارقة في فسادها وانحلالها وتمزق وحدتها واستيلاء العدو عليها وعلى أرضنا ومقدساتنا، فهذه أعياد تمس الإيمان وتعلي من قيمة الإيمان عند الإنسان، لكن هذا الإيمان يحتاج إلى حركة وإلى قوة وإلى تضافر. ندعو الله أن يوحد صفوف الأمة الإسلامية وأن يلهمها الرشاد، وأن يجعل العام القادم عام انتصار في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان .
إنها حرب صليبية تريد أن تطهر أمتنا وأن تغير معالمها، وتريد أن تجتث الإسلام والأمة الإسلامية، وليس لنا –والله- إلا أن نتمسك بكتاب الله ودين الله ومبادئ الله ونرفع راية الجهاد؛ فالجهاد هو الطريق إلى النصر والتمكين".
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، وبارك الله جهودكم وبذلكم وعطاءكم ومساندتكم لإخوانكم في كل بقاع الدنيا، وخاصة المجاهدين الذين يحتاجون منكم إلى الدعم المادي والمعنوي، خاصة الدعاء؛ فالأبواب أمامه لا تغلق". (كلمة الشهيد الشيخ ياسين)
وأسال الله للأمة الإسلامية أن ينشر العدل بينها، وأن يمحوا الظلم والضغينة من بين أبنائها، وأن يُعيد العيد عليها بالخير واليمن والإصلاح.
فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب ، و حيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب .
ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن طاعاته تزيد .
ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.
في ليلة العيد تفرق خلق العتق والمغفرة على العبيد فمن ناله منها شيء فله عيد وإلا فهو مطرود بعيد.
مع تمنياتي ان تقضوا اوقات جميله في هذا العيد المبارك
اخوكم : أبو أمير